• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

توارث العنف ضد الأطفال

مؤيد جبار حسن

توارث العنف ضد الأطفال

في مؤشر خطير لتدهور حقوق الإنسان، والأطفال على وجه الخصوص، ارتكبت بحقّ هؤلاء، خلال الأيام الماضية، أربع جرائم في بلدان عربية مختلفة.

أوّلاً: في العراق، توفيت الطفلة رهف نصير، ذات السبعة أعوام، في مستشفى الصدر في بغداد، أثر تعذيب جسدي شديد تعرضت له من قبل ذويها[1].

ثانياً: في السعودية، ذبح الطفل زكريا بدر، والذي يبلغ من العمر ست سنوات، على يد سائق التكسي الذي كان يستقلها مع أُمّه[2].

ثالثاً: في مصر، توفيت الطفلة ملك والتي يبلغ عمرها 11 سنة، على أثر التعذيب اليومي الذي أستمر لسبعة أشهر من قبل والدها[3].

رابعاً: في المغرب، أقدم طفل يبلغ من العمر 12 عام، على الانتحار بحزام حقيبته المدرسية، وترك رسالة يبرر فيها سبب انتحاره ويطلب أن يُدفن قرب أُمّه المتوفية[4].

إنّ الحوادث السابقة تؤشر إلى وجود خلل بنيوي في هيكلية المجتمع العربي، يجب أن تولى اهتماماً بالغاً من قبل قادة الرأي والمؤسّسات التربوية الحكومية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني. فالاعتداءات الشنيعة على الأطفال والتي ظهرت على العلن ماهي إلّا قطرة في بحر الانتهاكات اليومية المتكررة، فقسم كبير منها بقي طي الكتمان ولم يخرج خارج جدران البيوت التي حدثت فيها الجريمة وقسم أصغر انتهى في قسم الشرطة أو المحكمة والقسم المتناهي الصغر ما انتشر على الوسائل التواصل الاجتماعي وتلقفته وسائل الإعلام، وهذا فقط ما أنتهى إلى علمنا وعرفنا به.

ويبدو أنّ كمية الجفاء والقسوة المتفشية في مجتمعاتنا تسللت من التعامل اليومي في الشارع إلى داخل البيوت وبين الأُسر نفسها، لتؤدِّي إلى غلو في التعنيف والتأديب لدرجة التعذيب والتلذذ به، وأنتجت هذه الحالة ضحايا لا حول لهم ولا قوّة، ومجرمين يدفعهم الندم إلى إنكار الجريمة.

إنّ العنف المتفشي في العالم عموماً والجزء العربي فيه على وجه الخصوص، ونراه ونسمع عنه في البيوت والمدارس، في الوقت الذي ينبري مَن يتصدى له، هناك بالمقابل مَن يحاول التماهي معه وإيجاد سُبُل شرعية وقانونية لتبريره والقبول به. وهذا في حدِّ ذاته خطأ، لأنّ العنف مهما كان صغيراً وغير مؤذي ظاهرياً إلّا أنّ له آثاراً كارثية ولو بعد حين. فالجريمة وانتشارها والعنف الأُسري المتعاقب من الأب إلى الابن ومن الأخير إلى ابنه حين يكبر، وحتى الإرهاب وتوجهاته المدمرة، كلّها من نتاج العنف المسكوت عنه أو المبرر بصفة التأديب والتعليم.

لذلك هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على المجتمع العربي ككلّ وعلى الآباء ورجال التربية وقادة الرأي وأصحاب القرار السياسي والديني؛ فمثلاً على الآباء تقع مسؤولية انتهاج أسلوب التربية الصحيح والصحّي والخالي من أي شكل من أشكال العنف واستبدالها بعقوبات أُخرى كالحرمان وقطع المصروف وغيرها.

أمّا رجال التربية فهم مَن يتعامل بصورة مباشرة مع المشاكل التي يأتي بها الطفل من البيت، ومن غير المعقول أن يزيد المعلِّم الطين بلة ويمارس الفعل العنيف الذي مورس على الطفل في بيته ومن قبل ذويه. أمّا قادة الرأي ففي إمكانهم تسليط الضوء على سلبيات العنف الأُسري وما يؤدِّي إليه من تحطيم شخصية الطفل وتشتت الأُسرة وبالتالي إنتاج أفراد سلبيين داخل المجتمع، يكونوا عالة عليه.

 أمّا أصحاب القرار السياسي فيتوجب عليهم السعي لإقرار القوانين التي تجرم هكذا أفعال، وإيجاد تشريعات تلزم كلّ رجل وامرأة ممّن ينوون الزواج وتكوين أُسرة بكفالة أطفالهم وتربيتهم التربية القويمة وتوفير سُبُل العيش الكريمة لهم.

 أمّا رجال الدِّين، وهم أصحاب كلمة مسموعة في مجتمعاتنا العربية، فعليهم وعظ الناس وتذكيرهم بالتوجيهات الدينية التي تؤكد على وجوب رعاية الأُسر، فكلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، والمعاملة الحسنة للأطفال، فهم بالتالي رجال الغد وبناة الأوطان والمدافعين عنها حين الملمات والشدائد.


[1]-    https://bit.ly/2TNID6n

[2]-  https://bit.ly/2BKT8Av

[3]- https://bit.ly/2BuNNNt

[4]-  https://bit.ly/2GJ4Bn5

ارسال التعليق

Top